الرئيسية - اخبار محلية - جريدة " الأهرام العربي" : البحر الأحمر يرسم خريطة المنطقة
جريدة " الأهرام العربي" : البحر الأحمر يرسم خريطة المنطقة
الساعة 10:50 مساءً
اقراء ايضاً :
�يئة جنوب البحر الأحمر هى الأخطر من حيث التهديدات الأمنية وطبيعتها وتأثيراتها بشكل عام ومستوى تداعياتها على دول القرن الإفريقى والخليج العربى 

 
شهد البحر الأحمر ومضيق باب المندب، تصاعدا للتهديدات غير مسبوق للأمن وحركة التجارة العالمية، كما يهدد كل من عناصر الأمن الخليجى بشقيه السعودى والإماراتي، فضلا عن تهديد حركة التجارة عبر قناة السويس لمصر، حيث يبرز التطور التكنولوجى المرتبط بالألغام البحرية كأداة فاعلة فى تصاعد هذا التهديد.

 

عدد من العوامل كان محركا لارتفاع مستويات التهديد، منها الحرب فى اليمن والتمدد الإيرانى عبر ثلاثة عقود فى البحر الأحمر، وأيضا القرصنة البحرية التى برزت خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، والمترتبة على انهيار الدولة فى الصومال وطبيعة الطموح السياسى لحركة الشباب الإرهابية.

 

وقد شكل النفط والطموح الإيرانى الإقليمى على حساب دول الخليج متغيرين أساسيين، أسهما فى تحولات أساسية بإفريقيا، إذ برزت أهمية البحر الأحمر كناقل لمصادر الطاقة، وتعززت العلاقات الصينية - الإفريقية تأسيسا على الاستغلال الصينى للموارد الإفريقية، وهو ما أسهم فى نمو الاقتصاد الصينى إيجابيا، واستدعى قلق واشنطن لمواجهة التنين الصينى، وهو جزء من أسباب التدافع الدولى على إفريقيا، خصوصا فى ضوء مواردها الطبيعية الهائلة فى قطاعات النفط والتعدين والزراعة.

 

وللأسف تعد بيئة جنوب البحر الأحمر هى الأخطر من حيث التهديدات الأمنية وطبيعتها وتأثيراتها بشكل عام، ومستوى تداعياتها على دول القرن الإفريقى والخليج العربى معا، فالحروب الأهلية والصراعات العنيفة على السلطة، وانهيار مشروع الدولة الوطنية، والكوارث الطبيعية، والتنافس الدولى على الثروة والنفوذ، أسهمت فى صياغة وتشكيل هذا الإقليم المضطرب، والممتد ليشمل ست دول عربية على شواطئ تبلغ 2100 كيلو متر. 

 

وتكمن أهمية البحر الأحمر فى أنه يشمل الدول التى تربط آسيا بالقرن الإفريقى والتى تتحكم على المدخل الجنوبى لهذا البحر، وعلى رأسها الصومال واليمن، وكذلك والدول المنتجة للبترول، فى الخليج العربى إضافة إلى الدول الأوروبية وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية بل وكل الدول التى تمر تجارتها وبترولها عبر البحر الأحمر.

التهديدات الأمنية 

 

بعد حرب يوليو2006م فى لبنان تطلب الأمر خروج إيران من دائرتها المعتادة، والمعروفة بتشكيل جماعات مسلحة تحمل نفس عقيدتها ونهجها سواء بلبنان أم غزة أم العراق أم اليمن، والعمل على رسم خريطة جديدة لنفوذ إيران البحرى، والخروج من الدائرة المحدودة بمياه الخليج العربى والمياه الساحلية للمحيط الهندي، والخروج من نطاق أجنحة إيران بالجزيرة العربية والشام إلى ما هو أبعد من ذلك، فبات البحث عن فراغ ليكون لهم موطئ قدم جديد، بجانب كسر أى حالة من العزلة تفرض على إيران فى أى وقت، وكان الاختيار الواضح هو منطقة القرن الإفريقى وشرق إفريقيا.

وجاءت أول خطوة رسمية لتنفيذ تلك الإستراتيجية فى عام 2009م، بعد انعقاد القمة الإيرانية - الجيبوتية بالعاصمة جيبوتى بين الرئيس الجيبوتى �إسماعيل عمر جيلا� ونظيره الإيرانى �محمود أحمدى نجاد�، وهى القمة التى انتهت بتوقيع مذكرة تفاهم للتعاون المشترك، تضمنت الإعفاء من تأشيرات الدخول لمواطنى البلدين، وبناء مراكز للتدريب، بالإضافة إلى منح البنك الإيرانى قروضا للبنك المركزى الجيبوتي، وإنشاء لجنة مشتركة ومساهمة فى عملية التنمية فى جيبوتي، وتقديم منح دراسية للطلاب الجيبوتيين فى جامعات طهران، وتقديم بعض المساعدات المالية وغيرها، ثم توالت الزيارات سواء من الرئيس الإيرانى أم مسئولين بارزين إلى دول القرن الإفريقى وشرق إفريقيا، مستغلين فى المقام الأول الحالة الاقتصادية المتردية لدول القرن الإفريقى، والآن باتت سفن إيران الحربية ترسو فى ميناء جيبوتى، بجانب كثرة التلميح ببناء قاعدة عسكرية بحرية إيرانية بجيبوتى، حيث يوفر وجود إيران بمنطقة القرن الإفريقى اكتساب نقاط إستراتيجية وعسكرية غاية الأهمية أبرزها:

 

أولا: قرب القرن الإفريقى من مربع عمليات الشرق الأوسط ومضيق باب المندب الذى يمثل الشريان للبحر الأحمر وقناة السويس، وقربه الشديد من اليمن حيث كان يتم تدريب الميليشيات الحوثية من جانب الحرس الثورى فى بعض جزر المنطقة.

 

ثانيا: كسر أى محاولة من محاولات فرض الحصار على إيران، ومد نفوذ سلاحها البحرى إلى ما هو أبعد من الخليج العربى وبحر العرب.

 

الحرب فى اليمن 

إزاء تطور المواجهة العسكرية فى اليمن وظهور ما يسمى الحرس الثورى الإفريقى فى الصومال، فإن المخاوف من تمدد النفوذ الإيرانى من المنصة الحوثية إلى إفريقيا قد تعززت، قياساً على توقعات امتداد مدى تأثير التدخل العسكرى الإيرانى فى اليمن الآن لدول الخليج العربى لاحقاً.

 

مواجهة المخاطر 

لعل القاعد العسكرية الفرنسية هى الأكبر فى القارة الإفريقية، وتتمركز فى جيبوتى التى تقع على الجانب الغربى من مضيق باب المندب، وهى تضم 2735 عسكرياً، يتمركز منهم 1576 بشكل دائم فى جيبوتي، بينما يقوم 1159 آخرون بمهام قصيرة الأجل فى المنطقة.

ثم تأتى القاعدة العسكرية الأمريكية �ليمونير� فى جيبوتي، التى أنشئت عام 2007، والمسئولة عن العمليات والعلاقات العسكرية مع الدول الإفريقية، وبلغ تعداد قواتها ما يقرب من 4 آلاف جندي، وأصبحت مقرا لقوات �أفريكوم� فى المنطقة، ومهمتها مراقبة المجال الجوى والبحرى والبرى للسودان وإريتريا والصومال وجيبوتى وكينيا، واليمن، هذا إلى جانب وجود قواعد يابانية وصينية، حيث يشير الاحتفال بالذكرى ال49 لإنشاء الجيش الصينى أخيراً فى بكين إلى توجه صينى بعسكرة دوره حول العالم.

 

التهديدات الأمنية فى الصومال 

بعد فترة من الهدوء النسبي، عادت حركة شباب المجاهدين لتطفو مجدداً على سطح الأحداث فى الصومال، وذلك بمعيار قوة التدمير وحجم الخسائر الناجمة عنها، الأمر الذى يحمل رسائل قوية لخصوم الحركة فى الداخل والخارج، حيث تعبر هذه الهجمات الإرهابية عن الرغبة فى قطع الطريق أمام استكمال إدارة الرئيس محمد عبد الله فرماجو جهودها، لتحقيق المصالحة الوطنية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، خصوصاً بعد النجاح فى تكوين عددٍ من الإدارات الإقليمية في: بونت لاند، وجوبا، وجنوب غرب البلاد، وإنشاء لجان لصياغة الدستور وضبط الحدود، وإعادة الإعمار، حيث تسعى حركة الشباب إلى سحب قوات الدول المشاركة فى قوات أميصوم من الصومال، وهو ما أقدمت عليه بالفعل قوات سيراليون، بينما تقاوم قوات كل من كينيا وأوغندا، حيث تتمسك الحركة باعتبار أن قوات الاتحاد الإفريقى بمثابة قوات غازية تحمى حكومة عميلة ومرتدة، وهو ما يفضى إلى الحيلولة دون نشر قوات تابعة للأمم المتحدة فى الصومال، بعد انسحاب بعثة (أميصوم) وكذلك تقويض النفوذ التركى فى الصومال بوجه عام، وذلك عبر توجيه ضربة استباقية لإجهاض المساعى التركية لتأسيس جيش وطنى منظم فى البلاد.

 

السياسات الخليجية 

بلورت دول الخليج توجهاتها إزاء منطقة القرن الإفريقى فى محورين الأول اقتصادى والثانى عسكري، على الصعيد الاقتصادى تعد إثيوبيا من أهم الدول التى تنصح الرياض مواطنيها بالاستثمار فيها لكونها سوقا إفريقية تشهد نمواً مُتزايداً، ففى مايو 2016 تم توقيع اتفاقية تجارية بين إثيوبيا والسعودية لتوسيع قاعدة التعاون والاستثمار وداعمةً لاتفاقية تجنب الازدواج الضريبى والتى تم توقيعها فى 2014، والهادفة إلى حماية الاستثمارات لكلا الطرفين، وفى نوفمبر 2016 تم توقيع اتفاقيات لم يتم الإعلان عن طبيعتها بقيمة 160 مليون دولار، كما وقع الطرفان على تشكيل مجموعة لجان مثل: لجنة التعاون الخارجى والأمني، لجنة التعاون العلمى والثقافي، واللجنة الاقتصادية، وقدم الصندوق السعودى للتنمية تمويلات لدعم التنمية فى الأقاليم الإثيوبية النائية، وتشير وزارة التجارة الإثيوبية أنه منذ عام 2008/2009 إلى 2015/2016 حصل أكثر من 305 مستثمرين سعوديين على رخص استثمارية إثيوبية فى جميع المجالات، عزز ذلك عدد الشركات السعودية المُسجلة والذى تجاوز69 شركة سعودية، والتى وفرت فرصا وظيفية للإثيوبيين برأس مال يتجاوز 369 مليون دولار، كما أن المشروعات الاستثمارية السعودية فى إثيوبيا تجاوزت 303 مشروعات وتعتبر مصدراً للأمن الغذائى السعودي، وأكد تقرير �دليل الاستثمار فى إثيوبيا� الصادر عن الحكومة الإثيوبية أن اللجنة السعودية - الإثيوبية المُشتركة اتفقت فى ديسمبر 2016 على إنشاء شبكة للتعاون فى مجال الطاقة، وكانت تلك اللجنة قد وقعت فى وقت سابق على 16 اتفاقية ويتم بموجبها زراعة (1.713.357 هكتاراً)، خصوصا أن الاستثمارات الزراعية السعودية تمثل 30 % من مجموع الاستثمارات السعودية المتنوعة فى إثيوبيا.

 

أما فى دولة جيبوتى فقد اتفقت الرياض وجيبوتى على انطلاق المنتدى الاقتصادى السعودى - الجيبوتى فى مارس 2017، الذى جاء بعد أن قررت اللجنة السعودية الجيبوتية المُشتركة على تنفيذ 17 مشروعاً تنموياً فى جيبوتي. 

 

وفيما يتعلق بالصومال فقد وقعت الرياض فى مارس 2016 مُذكرة تفاهم بين سلطتى الطيران المدنى فى الرياض ومقديشو، على أن يكون التشغيل بين الدولتين من وإلى أربع نقاط دولية يتم تحديدها لاحقاً بين السلطتين، كما قدم الصندوق السعودى للتنمية (20) مليون دولار دعماً للموازنة الصومالية، و(30) مليون دولار كاستثمارات سعودية فى الصومال، وأسهمت الرياض فى ارتفاع الصادرات الصومالية، فى أعقاب خطوة لرفع حظر دام تسع سنوات على استيراد الماشية من الصومال، خصوصا أن الثروة الحيوانية تعتبر الدعامة الأساسية للاقتصاد الصومالي.

 

ولعل هذا النفوذ الاقتصادى الخليجى، هو ما أهله ليكون لاعبا أساسيا فى عملية المصالحة الإثيوبية - الإريترية قبل عدة شهور، التى كانت قائدة لمصالحات إقليمية أخرى بين كل من إريتريا وكل من الصومال وجيبوتى تمهد حاليا لقيادة إثيوبيا لهذا التحالف الرباعى والذى يمد النفوذ الإثيوبى إلى منطقة البحر الأحمر بوجود عسكرى بحري. 

 

وفى ضوء تصاعد الدور الخليجى فى البحر الأحمر، مع وجود تفاهمات مصرية - خليجية مؤسسة على مصالح مشتركة، تبدو اللحظة مناسبة لصياغة مبادرة عربية جديدة فى منطقة القرن الإفريقى، تنطلق من بلورة منظومة شاملة للأمن فى البحر الأحمر على أكبر قاعدة توافق عربى وإقليمى ودولى، تشمل الدول المشاطئة للبحر الأحمر، حيث لابد أن تأخذ بعين الاعتبار المصالح الدولية المؤسسة على التجارة العالمية المارة للبحر الأحمر، وأيضا الخط البحرى لمبادرة الحزام والطريق الصينية والتى تمر بالبحر الأحمر انطلاقا من جنوبه وحتى شماله، ذلك إن بناء قاعدة مصالح مشتركة تبدو الطريق الصحيح لضمان أمنه خصوصا مع بوادر إنهاء الصراع فى اليمن.

 الأهرام العربي
 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص