الرئيسية - تقارير - مواقف طريفة ومحرجة مع مسيرة صاحبة الجلالة
مواقف طريفة ومحرجة مع مسيرة صاحبة الجلالة
ثابت الاحمدي
الساعة 01:05 صباحاً
اقراء ايضاً :
�كل إنسان ذكرياته الخاصة في عمله، سواء ما كان منها طريفا شيقا أو ما كان مُمضًا مُحرجا. ولا أدري ما الذي جعلني أجرجر من أقاصي الذكريات بعض المواقف الطريفة والمحرجة معا التي حصلتْ معي في فترة عملي الصحفية التي تقترب من ربع قرن "23 عاما على وجه التحديد". منذ كنت طالبا في الجامعة المستوى الأول، والذي ابتدأ مع صحيفة الجمهورية في العام 1995م. ثم مع بعض الصحف الحزبية والأهلية الأخرى بعد ذلك. وأوردها هنا بتفاصيلها، عدا التحفظ على عدم ذكر بعض الأسماء، حفاظا على الذوق العام، وعلى خصوصيات الآخرين، وعلى طلب أحد الأصدقاء مني عدم الإشارة إلى اسمه حين استأذنت منه الإشارة إلى اسمه.
1ــ المسؤول الإعلامي للتقطع.
في يوم ما من العام 2007م كنت مع الأخ الشيخ محمد عبدالله القاضي، في منزله قبيل الظهر، وكان مدعوا في ضيافة الشيخ عبدالله عبدالوهاب القاضي في خولان، رحمهما الله، ومعنا أيضا النائب علي العنسي، والنائب علي عشال، وآخرون، وفي الطريق وجدنا "تقطعا" قبليا في منطقة "الشرزة" ما بين سنحان وخولان، سمعتُ أن هذا التقطع يقوده الشيخ الغادر ضد قبيلة سنحان لخلافات قبلية بين الطرفين. في منزل الشيخ القاضي وجدتُ هناك الشيخ الغادر، وبفضول الصحفي، سألته بعد أن عرفته على نفسي: ما سبب التقطع؟ فقال لي: ما دام وأنت إعلامي، فاسأل المسؤول الإعلامي. استدركت بسؤال آخر: المسؤول الإعلامي لمه؟؟ فرد علي فورا: المسؤول الإعلامي للقطاع/ التقطع..! شعرت لحظتها بأن الأرض تدور..! ولم أتخيل أني سأسمع في يوم ما من حياتي مهمة إعلامية اسمها "المسؤول الإعلامي للتقطع".!! وفعلا حين عدنا من نفس المكان، كنت مع الأخ الشيخ صالح أبو لحوم. وطلبت منه التوقف عند المخيم الذي يتجمع فيه المتقطعون، فتوقف، وسألت عن المسؤول الإعلامي، فخرج شاب مترسن بالسلاح والذخائر على كتفه وخصره، وتأكدت منه: هل أنت المسؤول الإعلامي؟ فقال: نعم. ويش مطلوبك؟ فقلت له: ما سبب التقطع؟ فرد علي: إذا كنا نخطف سيارة فعلي صالح قد خطف الدولة. وإذا كنا نبحث عن الحق فهناك من يبحث عن الباطل.. يا لها من فصاحة لم أكن أتوقعها.! وانتهت قصة هذا الموقف إلا أن لقب "المسؤول الإعلامي للقطاع/ التقطع لن تغادر ذاكرتي ما حييت.! تخيلوا.. المسؤول الإعلامي للتقطع..!
2ــ عجائب الكاميرا
في العام 2009م وأنا في القاهرة اتصلت بالمفكر الإسلامي المعروف فهمي هويدي، طالبا زيارته وتسجيل حوار صحفي معه، فرحب بذلك، وحدد لي المكان والزمان. ذهبت في نفس الموعد، وسجلت المادة، وبعد انتهاء التسجيل لم يكن يتواجد في شقته غير زوجته التي طلبتُ منها تصويرنا معا، أعطيتها الكاميرا، فالتقطتْ ثلاث صور، ثم ناولتني الكاميرا. استأذنت بالمغادرة، وبينما أنا في درج العمارة أنزل استعرضت هذه الصور: كانت الثلاث الصور على النحو التالي: الأولى كان هو مغمض العين، وفي الثانية كنت أنا مغمض العين، وفي الثالثة كنا الاثنين مغمضي العيون..!! والثلاث الصور لا تصلح للنشر بطبيعة الحال، وبينما أنا واقف دخل سائقه الخاص الذي كان قد أخبرني به الأستاذ فهمي أنه ينتظر لتوصيله إلى المطار، فعدت معه إلى الشقة، ومن ثم أعاد تصويرنا صورا سليمة.
3ــ السلفيون والكاميرا
في العام 2006م اتصلت بالشيخ السلفي محمد الإمام طالبا منه زيارته وتسجيل حوار صحفي معه، فوافق على غير عادته، وهرعت إليه متشوقا لحوار استثنائي معه، وفي جعبتي عشرات الأسئلة، وحين وصلت المركز استقبلني طالبٌ من طلابه، أدبُه أكثر من علمه، وعرفني على بعض أنشطة المركز وبعض الشخصيات الأوروبية المتواجدة هناك، وشرح لي محاضرات الشيخ للجن، وفتواه لهم عبر الهاتف... إلخ. بعد صلاة العصر صعدت مكتب الشيخ، وعرفته بنفسي، ثم طلبت منه الشروع في التسجيل، إلا أنه بدا يتنصل من الحوار، فطلب مني الأسئلة مكتوبة، فترددت في ذلك؛ إذ لا أؤمن بحوار صحفي أسئلته مكتوبة سلفا، وطريقته على غرار: أجب عن الأسئلة التالية. ولما رأيت تصلبه ورفضه للحوار المسجل اضطررت لكتابة حوالي عشرين سؤالا في ورقتين، ثم ناولته، أمسكها، ثم رسم خطوطا، وكتب تحت كل سؤال: إجابة هذا السؤال في كتابي.. وكرر ذلك في بقية الأسئلة، طالبا مني العودة إلى كتبه وكتابة الإجابة منها على أسئلتي المطروحة..! حاولت إقناعه أن هذا غير ممكن في العمل الصحفي، فأصر على رأيه. حاولت التقاط صورة معه، فاعتذر بكل لطف، طلبت تصوير المكتبة، وكانت مكتبة عملاقة، فأذن لي، وهناك المفاجأة. دخلت المكتبة المجاورة لمكتبه، وفيها وجدت عشرات الطلاب من الباحثين والمطلعين. أمسكت الكاميرا وصورت الصورة الأولى، وفجأة رأيت كل الطلاب المتواجدين قد انفضوا من حولي في لمح البصر، بعد أن لمع فلاش الكاميرا، وكأن غارة جوية قد حلت بهم، بمن فيهم مرافقي الذي كلفه الشيخ بمرافقتي للمكتبة. ووجدت نفسي وحيدا فيها، بعد أن غادرها الكل يدوس بعضهم على بعض، فالتصوير لا يجوز، ولسان حالهم: اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. وحين خرجت كانت العيون ترمقني شزرا، وكأن الشرر يتطاير منها غضبا من الجريمة التي ارتكبتها..؟! خرجت من المركز وأنا أردد: "لكل آفة آفة، وآفة السلفيين الكاميرا".
4ــ الأستاذ حيدر
في العام 96م كتبت سبع حلقات مطولة عن "المعلقات السبع" في صحيفة الجمهورية، وجميعها من الشعر الجاهلي، وكانت مساحة كل حلقة تأخذ صفحة كاملة في صحيفة الجمهورية، عدا معلقة امرئ القيس، وبينما أنا جالس في حوش الكلية، وصحيفة الجمهورية في يدي، اقترب مني أحد طلاب قسم الدراسات العربية، وأخذ يتصفح الصحيفة، ولما وصل إلى الصفحة التي فيها مقالتي المطولة، وهي صفحة كاملة، التفت إلي، وقال لي: شوف يا أستاذ حيدر أمانة عليك قل لهذا "الخراط" الأحمدي، من الذي سيقرأ هذه الصفحة كاملة؟ ما فيش غير أمه يمكن باتقرأها..! قلت له وكدت أنفجر من الضحك: هل تعرف ثابت الأحمدي، كاتب هذه المقالة؟ رد علي: أي نعم أعرفه. وضعت الصفحة التي فيها مقالتي على الطاولة أمامنا، ووضعت أصبعي على "صورتي"، مرددا: ثابت الأحمدي هذا، صاحب هذه الصورة.. تعرفه؟ قال: أي والله أعرفه تماما، وهو من البلاد. قلت له: سلم عليه. رد علي: حاضر يا أستاذ حيدر.. ثم انصرف..!
5ــ أخطاء إملائية
في نفس السنة، كنا في الجامعة نكتب المجلات بخط اليد، قبل أن تنتشر محال الكمبيوترات آنذاك، وأتذكر أنه لم يكن في الحديدة كلها غير محل واحد فقط بجهاز واحد في شارع صنعاء يقدم خدمات الكمبيوتر، وكان زملائي يقولون عني أني خطاط، فكانوا يكلفونني بكتابة المجلات والملازم والمنشورات، وكنت من الحماسة والنشاط بمكان آنذاك، أقضي معظم وقتي معتكفا في كتابتها، ومن ضمن ما كتبته في إحدى القصائد الشعرية بيتا من الشعر، يخاطب المرأة:
أختاه يا بنت اليمن تحجبي لا ترفعي عنك الخمار فتندمي
فنسيتُ نقطة الخاء، وانظر بعد نسيان النقطة كيف تتحول الكلمة..! وفي نفس العدد أيضا، كتبت حديثا نبويا، وأردت القول في نهايته: رواه الشيخان. فلا أدري كيف انصرف ذهني فكتبت: رواه الشيطان..!! المهم بعد توزيع هذا العدد أحسست بعيون الزملاء والزميلات ترنو إلي، ضاحكين، ساخرين.. وكم من التعليقات التي تلقيتها، لحظتها، ولم أستطع مواصلة المحاضرة الثانية، بل لقد تعمدت الغياب اليوم الثاني تحاشيا للإحراج.
6ــ زودوا طباعة الصحيفة
ذات مرة أجريتُ حوارا صحفيا مع شيخ قبلي، "ليعذرني القارئ عن عدم ذكر اسمه" فحررته، وطلب مراجعته مرة ومرتين وثلاثا، حتى ضقت منه، وأخيرا اعتذرت له عن المراجعة، بحجة أن الصحيفة على وشك تحويلها للمطبعة، لكني تفاجأت بطلب غريب أسمعه لأول مرة، قال لي: هذا العدد لازم تزودوا الطباعة، ضعف ما تطبعون كل مرة. سألته ولم يا شيخ؟ رد علي: أنت عارف جمهورنا، وأصحابنا، بايشتروا الصحيفة وما تكفي حقكم العشرة الألف هذي التي تطبعونها. "كنا نطبع ستة آلاف نسخة منها" حاولت إقناعه أن تزويد الطباعة أمر غير معقول لمجرد الحوار، وأن إمكانية الصحيفة المالية لا تسمح بذلك؛ لكنه حاول إقناعي بحديث مطول بصوابية رأيه، وأنه ممكن يتحمل أي تبعات مالية على حسابه، ولما رأيته مصرا على ذلك وعدم تفاهمه اضطررت أن أعده بتزويد الطباعة، ولم نفعل..!
7ــ العادة السرية
ذات مرة وأنا أسجل حوارا مع السياسي محمد الصبري، في نقابة الصحفيين اليمنيين، وكان يومها الناطق الرسمي لأحزاب اللقاء المشترك سألته هذا السؤال: هل لديكم آلية جديدة للتصعيد السياسي أم مجرد تصريحات كعادتكم السابقة؟ ولا أدري كيف سمع لفظة "كعادتكم السابقة" هكذا: كعادتكم السرية"..! فانفجر من الضحك بطريقة هستيرية، وأنا مندهش ما الذي يضحكه هكذا؟ حتى رد علي: أي عادة سرية؟؟ قلت له: وأنا أشعر بحرج شديد: ومن قال لك هذه الكلمة؟ قال لي: أنت. ودخلنا في جدل، ولم يقتنع إلا بعد تشغيل جهاز التسجيل والاستماع لصيغة السؤال، وكانت: كعادتكم السابقة، لا السرية.
البلطجي عادل الأحمدي
ذات مرة وأنا في سوق القات بمذبح، تفاجأت برجل طويل ممتلئ يمسك برقبتي ويرغي ويزبد، قائلا: شوف يا بلطجي، أمس شفتك بقناة العربية تهرج زي الحرمة.. والله لو ما تحترم نفسك باتشوف ايش يقع لك. طبعا، لم أظهر على قناة العربية مطلقا حتى تلك اللحظة، ولم أكن أعرف طريقي للفضائيات يومها إلا نادرا جدا، لكني عرفت أن الرجل قد ظن أني الصحفي عادل الأحمدي الذي يلبس نظارة مثلي، ونتشابه أيضا، فاستدركت، ذاك البلطجي عادل وليس أنا. ولا علاقة لي به. ولم يسحب يده من تلابيب ثوبي إلا بعد أن وضحت له أن الذي ظهر في القناة أمس هو "البلطجي" عادل الأحمدي، يشبهني، وليس أنا. علما أني لم أر الأخ عادل على القناة اليوم السابق، وتأكدت منه أنه فعلا كان على القناة قبل ذلك اليوم.
9ــ متحدث بلا وعي
ذات مرة أجريت حوارا مع شخصية حزبية مشهورة، كان متحاملا على مسؤول كبير في الدولة يومها بصورة مسفة، رغم أنهما ينتميان لحزب واحد، وطوال الحوار كان يكرر الإساءة لشخصه بكلام جارح رغم عدم سؤالي أو الإشارة إليه مطلقا، ورغم محاولتي توقيفه عن الإساءة إليه، الأمر الذي جعله ينفجر غاضبا علي، ويطردني من مكتبه بعنف، مصحوب بسفاهة من العيار الثقيل أيضا، فأخذت مسجلتي وكاميرتي وغادرت، في المساء تفاجأت بالنائب علي سالم الخظمي يتصل لي، قائلا: ما الذي جرى بينك وبين .... فهمت أن الرجل قد أخبره بما جرى، وهو صديقه طبعا، فطلب مني إحضار الشريط الكاست، فوعدته بذلك، إلا أني تعمدت مماطلته لخطورة ما فيه، وإذا خرج من يدي فقد يتسرب، ويترتب عليه ما يترتب.. وقد وضح لي أن الرجل لم يكن في وضع طبيعي. واكتشفتُ كم كنتُ غبيا، فخلال بقائي معه أكثر من نصف ساعة لم أكتشف أنه كان في وضع غير طبيعي؛ أما الكاست فلم يصل يد أحد مطلقا، ولن يصل أيضا، وهو محفوظ في مكتبتي الخاصة، ضمن أشرطة أخرى، رغم الإساءة التي لحقت بي منه.
10ــ سب الذات الإلهية
في العام 2012م، وأثناء انتشار تنظيم القاعدة في أكثر من منطقة في اليمن، كنت مهتما بالتواصل معهم ومعرفة خباياهم، واستطعت مقابلة بعضهم، ومن ضمن هؤلاء الشيخ طارق الذهب الذي استطعت مقابلته في مسجد العامرية برداع، بعد جهود مضنية، تعرضت فيها للموت في ليلة مرعبة ومعي الزميل عارف العمري، وكان الوصول إليه نوعا من المغامرة والمجازفة، المهم.. دخلت عليه وكان في محراب الجامع ينتظر وصول الوفود من القبائل التي تأتي لمبايعته، وفعلا وصل البعض وبدؤوا بالسلام عليه وجميعهم يدعون له بالنصر والتوفيق، بعدها سجلت معه أقصر حوار في تاريخ حواراتي الصحيفة التي تصل إلى سبعمئة حوار صحفي منذ العام 95 إلى العام 2014م. فجأة ونحن نسجل الحوار أشار إلى أحد مرافقيه بالاقتراب، وهمس في أذنه بكلام لم أسمعه، ثم التفت إلي بعينين محمرتين، كأن الشرر يتطاير منهما، قائلا: أنتم في صحيفة الجمهورية الذين سبيتم الذات الإلهية عام 2000م؟؟. طبعا كان قد حدث جدل كبير حول رواية "صنعاء مدينة مفتوحة" نشرتها صحيفة الثقافية، وفيها ما فهمه البعض أنه سب للذات الإلهية، وحصل جدل ولغط طويل بشأنها، كان دافعه سياسي بدرجة رئيسية، له علاقة باتفاقية يمنية خارجية كبيرة آنذاك..
يااااااا له من موقف.. أيقنت أني مقتول، ولم يبق له إلا أن يقول: علي بالنطع والسيف..! بدا منفعلا، ومتوعدا أن تلك "الفعلة" لن تمر لنا. على الفور اختلقت له ألف كذبة وكذبة، منها أننا قد فصلنا الكاتب من الصحيفة وطردناه، وأحلناه للمحاكمة، وقطعنا راتبه وووووإلخ. وكنت لحظتها أحس بفؤادي يكاد ينخلع من صدري خوفا من أي حماقة قد يرتكبها بحقي، في الوقت الذي لا أملك أي وسيلة للدفاع، غير ذلك الكلام الذي اختلقته للتو. ثم رفع الجلسة ممتنعا عن مواصلة الحوار الذي استمر ثماني دقائق و24 ثانية فقط. وحمدت الله أن عدت من الغنيمة بالإياب، فارا بجلدي من موت رأيته بين عينيه الغاضبتين.
11ــ أنت مقتول.. مت وأنت مرفوع الرأس يا جبان
في العام 2011م، والمشهد الثوري في أوج قوته في صنعاء ودمشق وليبيا، وتحديدا يوم مقتل الرئيس معمر القذافي، كنت يومذاك في مارب في مهمة صحفية، وصلت قبل الظهر، دخلت فندق بلقيس، أحمل حقيبة صغيرة فيها هاتفي وكاميرا التصوير وقارورتي ماء وكرت شحن "يمن موبايل" اشتريتهما للتو من البقالة المجاورة، وفي تلك الفترة كانت تحركات أي صحفي محاطة بالحذر الكامل والسرية بسبب الأوضاع التي نعيشها، وهاجس الخوف الذي يعتري الجميع، وإن كان جزء منه مبالغ فيه، ولا أدري كيف سبقني الشيخ... إلى هناك، وما طبيعة تواجده في مارب، وكيف لمحني وأنا أدخل الغرفة في الدور الثالث في الفندق، بدون أن أعرف. المهم.. بعد أن دخلت الغرفة بدقائق قليلة، منتظرا وصول الشيخ سلطان العرادة من بيحان كما أفاد، وأيضا الشيخ مبخوت بن عبود الشريف لتسجيل حوارات صحفية معهما، رن هاتفي من رقم مجهول: فجاوبت، فإذا به يقول بصوت خافت قليلا: نحن نتابعك من الصباح منذ خرجت من صنعاء، ووصلت مارب، ونزلت فندق بلقيس، ودخلت الغرفة رقم 303. لكن اعتبر نفسك اليوم هذا مقتولا..! افتح الباب فورا.. افتح الباب يا جبان.. ثم بدأ يدق على الباب دقات قوية..! أعترف أني أصبت بانهيار كامل، رغم محاولتي التماسك. وسقط الهاتف من يدي بعد أن أغلقته. وقد أصابني الهلع والذعر، حاولت الاتصال بإدارة الفندق، من السماعة الموجودة بالغرفة فتفاجأت أنها لا تعمل.. رن الهاتف مرة ثانية من رقم آخر، فجاوبته وقلت سوف أبلغ هذا المتصل بما حدث لي. قال لي: لو أنت رجال ما تغلق التلفون، ومتْ وأنت مرفوع الرأس يا جبان..! اعتقدت أني مقتول لا محالة. وأغلقت الهاتف إلى وجهه، ووجهي على الباب الذي أسمع من خلفه حديثا خافتا، ولم يدقه بعد. لحظات.. يرن الهاتف من رقم صديقي" الشيخ محمد...." فجاوبته على الفور، وقلت سوف أبلغه بما أتعرض له. إلا أنه قال لي: افتح الغرفة يا جبان.. كنت أظنك راجل.. طلعت....! يا الله.. لا أدري هل أفرح أم أغضب؟؟!! وللأمانة فقد ظل هذا الموقف كابوسا مزعجا لي في منامي لشهور طويلة. مثل كابوس ضياع فرامل السيارة ذات مرة، وأنا في نقيل سمارة.!
12ــ رعب الاغتيال
تواصلت من صنعاء بالوالد المناضل علي صالح عباد، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني سابقا، بغرض زيارته وإجراء حوار صحفي معه، وآخرين أيضا في عدن، فقال لي تعال: تابعت بدل السفر، ثم انتقلت إلى عدن، وحين وصلت إلى منزله بعد العصر، رحب بي، وكان يوجد عنده في المنزل شخصان آخران من أصدقائه غادرا قبل المغرب، كنت إلى جانبه، أعطيته كيسا بداخله 2 كيلو زبيب صنعاني، فاعتذر عن قبوله، ثم بدأ يتكلم عن ظاهرة الاغتيالات بالهدايا وبالنساء وبأساليب أخرى.. فهمت أنه متوجس مني، ومن هديتي فالتمست له العذر، كونه لا يعرفني، ثم طلبت منه الشروع في تسجيل المادة الحوارية، فبدأ يذكر لي أساليب علي عبدالله صالح في التعامل مع خصومه، محاولا التنصل عن التسجيل، رغم أنه وعدني بذلك. ورغم محاولاتي وإلحاحي عليه إلا أنه رفض رفضا قاطعا، وبطبيعة الحال لم أملك إلا التسليم بالأمر الواقع، والعودة بخفي حنين. غير أني قبل أن أنهض من مكاني، أدخلت يدي إلى جانبي، تحت الجاكيت الذي كنت ألبسه، وسحبت شريط المحفظة الخاصة بالكاميرا، بقوة، فهرع فورا جهتي ممسكا بيدي، بقوة، لم أستطع مقاومته، وعلى الفور فهمت أن الرجل فهم حركتي هذه فهما خاطئا، بناء على ثقافة سابقة في ذهنه، وهي حركة مريبة حقا في الواقع، إذ كان يتوقع أني أحمل مسدسا، وأني في تلك اللحظة سوف أغتاله. فوضحت له، وأنا في قمة الحرج أن هذه كاميرا، وهي في المحفظة معلقة على محزمة البنطال، تحت الجاكيت، وأخرجها هو بيده من المحفظة، فاعتذر لي ومن ثم دعا مرافقه لتصويرنا، وأنا في أشد حالة من الحرج. بعدها لم أكن أستخرج الكاميرا من المحفظة تجاه أي مسؤول إلا بعد أن أستأذنه وأخبره بذلك، حتى لا أتعرض لنفس الإحراج..!
النوم أثناء تسجيل الحوار
13ــ ذات مرة عدت من عدن إلى تعز، ثم إلى إب، في أعمال صحفية أخرى، وفي إب كان الكرم الحاتمي كثيرا بالغداء والقات الذي نتناوله حتى منتصف الليل، وفي آخر الليل قررت الطلوع إلى صنعاء مع سيارة صحيفة الجمهورية التي تصل الساعة السابعة صباحا عادة، وفي نفس اليوم كنت على موعد مع العميد عبدالله الناخبي أمين عام الحراك الجنوبي السلمي يومها، لزيارته إلى يافع، وصلت صنعاء الساعة السابعة صباحا، مواصلا السهر والسفر، تناولت طعام الفطور فقط، وفورا تحركت على النقل الجماعي "الرويشان" باتجاه ذمار، رداع، البيضاء، يافع. وصلت البيضاء بعد الظهر، وكانت سيارة العميد الناخبي تنتظرني هناك، لمواصلة السفر إلى يافع، وواصلت السير، وصلت منزل العميد الناخبي بعد المغرب، في رحلة شاقة من التعب والسهر والسفر لقرابة أسبوع متواصل، كان ديوانه ممتلئا بالحضور، وكلما شعرت بالإرهاق والتعب أشرع في التهام أغصان القات وقهوة البن اليافعي. أتممنا المقيل معا، في الساعة العاشرة ليلا لم يعد في ديوانه الكبير غيرنا الاثنين فقط. فقلت فرصة نسجل الحوار الصحفي، وفي الصباح سأسافر أبين ثم عدن. وشرعنا في الحوار، بعد أن أخبرته أني مرهق جدا. وبدأت.. السؤال الأول.. الثاني.. فجأة تفلتت أعصابي، وفقدت وعيي تماما.. وهو يسترسل في الكلام، المهم.. في الصباح.. قمت والكاميرا بجانبي، والهاتف قد انطفأ وانتهى الشحن فيه، والنظارة معوجة بجانبي، وبقايا القات في الكيس الذي بجانبي. صحوت، كالممسوس، مهووسا مندهشا، وقد متُّ لا نمت.
14ــ إعادة كتابة الحوار من الذاكرة
ضمن سلسلة حوارات مسامرات رمضانية أجريتها لصحيفة الجمهورية مع أبرز الشخصيات اليمنية مثل مطهر الإرياني، حسن مكي، أبو بكر القربي، عبدالعزيز المقالح، محمد عبدالملك المتوكل، د. أحمد محمد الأصبحي، كان أحدها مع الأستاذ محمد سالم باسندوة. وكان أيامها رئيس الوزراء في حكومة الوفاق الوطني، وكنت ليلتها مع الأخ علي الصراري، والزميل عبدالله مصلح. سجلت معه الحوار، بالهاتف وغادرت، وأنا أقود السيارة قلت سأتأكد من مستوى الصوت، فاكتشفت أن التسجيل قد خانني، وأن الصوت توقف في الدقيقة الأولى بحركة لمس لم أنتبه لها. يا له من موقف محرج. أوقفت السيارة جانبا، وأمسكت للتو ورقة وقلما، وبدأت أستذكر إجاباته ثم كتابتها، وأعدت كتابة الحوار، كما أتذكر، وأدعي أني نجحت في ذلك، وجزء كبير من النجاح لا يرجع لذاكرة حديدية كما قد يتوهم البعض؛ لكن لطبيعة الحوار والأسئلة الموجهة في حد ذاتها، فهي أسئلة تقليدية سهلة، ليست سياسية، تعلق إجاباتها بالذهن سريعا. بعد نشر الحوار زرت الأستاذ باسندوة، وكعادة المسيء الذي يكاد يقول خذوني، توقعته يوبخني على تغيير بعض الألفاظ التي لم تردْ كما نطقها، إلا إني تفاجأت به يشكرني على الحوار، مشيرا إلى أني من الصحفيين القلائل الذين يلتزمون نشر ما ورد بدون أخطاء. كان جادا فيما يقول طبعا، ولم يكن يريد العكس كما قد يفهم البعض، "سأنشر المادة لاحقا".
15ــ اختطاف فضيافة
في العام 2003م. ــ وكنت أقيم آنذاك في الحديدة ــ قررت عمل استطلاع صحفي "ثقافي" عن الزرانيق لصحيفة الثقافية، وصلتها قبل الظهر إلى قرية ريفية ومعي جهاز التسجيل وكاميرا "فيلمية" ونسخا سابقة من صحيفة الثقافية نفسها، فجأة توقفت بجانبي سيارة هايلوكس غمارتين، ونزل منها مسلحان اثنان، بسرعة خاطفة طالبين مني الطلوع معهم فورا، فيما بقي السائق داخلها، للتو عرفت أن "غريمي" الشيخ شعيب الفاشق، فأنا على مقربة من قريته.. ركبت معهم في الخانة الثانية خلف السائق، وخلال دقائق قليلة أدخلوني منزل الشيخ شعيب، طالبين مني الانتظار، وقد أخذوا مني الحقيبة التي فيها الكاميرا وجهاز التسجيل، وأيضا البطاقة الشخصية، يومها لم أكن أحمل بطاقة عضوية النقابة، وكانت بطاقتي الشخصية بمهنة مدرس، والحقيقة أن الخوف لم يدب إلى قلبي كما حصل لي مع الشيخ طارق الذهب أو في فندق مارب، لاحقا كما ذكرت، كنت مراهنا على قيم المشيخة والقبيلة، ولم يخب ظني فعلا.. بعد حوالي ساعة نزل الشيخ شعيب بنفسه، كان للتو يقوم من النوم، جلس أمامي وطلب مني تعريفه بنفسي وما طبيعة مهمتي.. وووو، ولما تعرف علي هز رأسه، وسألني: شيخكم عبدالله يوسف الأحمدي؟ قلت له: نعم. رد: رحمه الله كان صاحبي، وكانت لنا مواقف أيام سنان أبو لحوم بالحديدة في السبعينيات.. عموما.. أنت ضيفنا اليوم. وبقدر ما اطمأنيت من كلامه، ومن كلمة أنت ضيفنا، شعرت أيضا ببعض التوجس، من لفظة "ضيفنا". وهو توجس لم يكن في محله. ودخلنا في حديث عن قصة "قطاب" الذي نشرت صحيفة "الصحوة" خلافا جرى بينهما سابقا. وقضايا أخرى عن البلاد والمشايخ...إلخ حتى حان وقت الغداء، وحضر لديه بعض الضيوف، فعرفهم علي، بكل لطف وتقدير، وعلى مائدة الغداء لمستُ منه اهتماما أكثر من ضيوفه المتواجدين، وكذا في المقيل حيث قدم لي حزمة قات شامي لم أحظ بمثلها من قبل، سمعت من أحد مرافقيه وهو يكلمه أنها بسبعة آلاف ريال. وواصلنا المقيل مع ضيوفه.
قبل المغرب، قال لي: تحب تبقى عندنا حياك الله. تحب تمشي الله يفتح عليك، والبيت بيتك أي وقت. قلت: له سوف أغادر، إنما أطلب بطاقتي والكاميرا مع جهاز التسجيل، فقال: جاهز. ووجه أحد السائقين بإيصالي على سيارته إلى مديرية المنصورية، وحين نزلت من السيارة تفاجأت بالسائق يسلمني دبة عسل، ويقول: هذه من الشيخ. أخذتها، وودعته. وهكذا انتهى الخطف بضيافة باذخة. بعد أن قدم لي اعتذاره عما جرى، طالبا مني عدم الإشارة في الصحافة عما جرى. ووعدته بذلك، وهو ما كان. وافترقنا، ولم أجده بعد ذلك اليوم إلا مرة واحدة في مكتب النائب العام بصنعاء مصادفة في العام 2005م.
هذا أبرز ما أتذكره الآن من المواقف المحرجة التي صحبتني أو صحبتها أثناء عملي خلال الفترة المذكورة، ولعل هناك بعض التفاصيل التي تستحق التوقف عندها، قد أذكرها في وقت لاحق. 
 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص